بقلم المهندس/ طارق بدراوى
محمية الغابة أو الأشجار المتحجرة كما يطلق عليها أحيانا تقع على بعد حوالي 18 كيلو مترا شرق حي المعادي بمحافظة القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية شمال طريق القطامية العين السخنة وتبلغ مساحتها حوالي 7 كيلو متر مربع وتعتبر هذه المنطقة أثرا جيولوجيا نادرا لا يوجد له مثيل في العالم من حيث الإتساع والإستكمال من حيث طبقات الأرض والترسيبات الخاصة بكل حقبة جيولوجية مرت علي كوكب الأرض كما أن دراسة نوعيات الخشب المتحجر فيها يساعد على دراسة وتسجيل الحياة القديمة للأرض هذا والأخشاب المتحجرة بخلاف تواجدها في هذه المحمية تتواجد أيضا في منطقة محاجر العين السخنة وطريق القاهرة الجديدة وهو الجزء الذي يعد إمتدادا لـها وهي تعد نتاجا طبيعيا للعصر الذي بدأت الأنهار تدخل فيه إلى مصر من ناحية الجنوب ومنها النهر الذي تم إكتشافه في طبقة عصر الأيوسين الأعلى بالفيوم ولم يكن نهر النيل الحالي هو الفرع الوحيد الذي كان يجري في أراضي مصر لكن كان هناك فروع أخرى تأكد وثبت وجودها في طبقات الرمال والطفلة في الصحراء الغربية في مصر وتحديدا في الواحات البحرية وشمال منخفض القطارة ومنخفض الفيوم وأنه توجد أشجار متحجرة ضمن تكوينات هذه الفروع وتسمى بجبل الخشب وقد تم إعلان منطقة الغابة المتحجرة محمية طبيعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 944 لسنة 1989م وذلك طبقا للقانون رقم 102 لعام 1983م والخاص بالمحميات الطبيعية في مصر وقد تم إنشاء مركز علمي وإداري للمحمية يضم قاعة محاضرات ومكتبة ومعملا جيولوجيا ومتحفا وكافيتريا وإستكمال تجميع الأجهزة العلمية اللازمة للعمل في المحمية .
صورة بانورامية لجانب من محمية الغابة المتحجرة
أحد التشكيلات النادرة بمحمية الغابة المتحجرة
ومنطقة محمية الغابة المتحجرة بالمعادي هي عبارة عن هضبة تكاد تكون مستوية بها بعض الجروف والتلال ويغطي منطقة المحمية في معظم أجزائها تكوين جبل الخشب التابع لعصر الأوليجوسين أى أن عمرها يتراوح مابين 32 و35 مليون سنة كما يوجد بالغابة كثافة من السيقان وجذوع الأشجار المتحجرة ضمن تكوين جبل الخشب والذي ينتمي إلي العصر الأوليجوسيني وهذه الرواسب فقيرة في الحفريات والبقايا العضوية غير أنها غنية بدرجة ملحوظة ببقايا وجذوع وسيقان الأشجار الضخمة المتحجرة والتي تأخذ أشكال قطع صخرية سليسية ذات مقاطع أسطوانية تتراوح أبعادها من بضعة سنتيمترات إلي عدة أمتار والتي تتجمع مع بعضها علي شكل غابة متحجرة وغالبا ماتوجد هذه الجذوع مرتبة أفقيا فى إتجاهين رئيسيين الإتجاه الأول 30 درجة مع الشمال الشرقى وتصل أطوال هذه المجموعة إلى حوالى 15 متر بمتوسط قطر 40 سنتيمتر والإتجاه الثانى هو20 درجة مع الشمال الغربى وهو الأكثر شيوعا وإنتشارا وتصل أطوال جذوعه إلى أكثر من 25 متر وقطره يتراوح مابين متر ومتر ونصف المتر ويلاحظ أن إتجاه جذوع الأشجار يتفق مع إتجاهات الفالقين الرئيسيين بالمنطقة وهما فالقا البحر الأحمر أى فالق خليج العقبة وفالق خليج السويس وربما لعب هذين الفالقين دورا مهما في تسهيل صعود المحاليل المائية الحارة من باطن الأرض وتحديد عمر الأشجار المتحجرة بمحمية الغابة المتحجرة والتي قدرت بنحو 35 مليون سنة عن طريق الحلقات الموجودة بمقاطع الأشجار كما يعتقد أيضا أن هذين الفالقين كانا هما المنافذ التى سهلت صعود المحاليل السليسية من جوف الأرض والمصاحبة للنشاط البركانى فى أواخر عصر الأوليجوسين نتيجة للحركات الإلتوائية التى تأخذ اتجاها جغرافيا عاما يمتد من الشمال الشرقى إلى الجنوب الغربى مع بعض التغيرات فى زوايا الميل وقد إختلفت النظريات التى تفسر أصل هذه الجذوع والسيقان المتحجرة ولكن أغلبها يجمع على أنها منقولة بواسطة مياه الأنهار الى أماكن تجمعها الحالية حيث تم تحجرها ومما يؤكد ذلك الغياب التام لأى بقايا نباتية أخرى غير الجذوع مثل الأوراق والثمار كما أن الجذوع دائما خالية من اللحاء وهناك نظريتان لتكوين الخشب المتحجر على أساس أن مادة الرمال لها دور فى عملية الإستبدال والنظرية الأولي هي نظرية الذوبان حيث أن منطقة الغابة المتحجرة تقع بالقرب من مناطق حدثت بها نشاطات بركانية قديمة حيث شهد عصر الأوليجوسين نشاطا بركانيا ملحوظا في بعض المناطق المصرية مثل منطقة أبوزعبل حاليا وتلك البراكين سبقتها محاليل برمائية إندفعت من باطن الأرض محملة بحمض الأيدرو فلوريك الذى يصحب الإنبعاثات الأرضية الحارة والمائية مع حدوث البركان حيث أنه عند خروج هذا الحمض إلى سطح الأرض فإنه يؤدى الى إذابة الرمل فتتشبع المياه الجارية أو الجوفية به وعند رى الأشجار بهذه المياه المتشبعة بالرمال الذائبة فإن الأوعية الخشبية تصاب بما يشبه التصلب ومن ثم تتكون الأخشاب المتحجرة أما النظرية الثانية لتكوين الخشب المتحجر مفادها أن ذلك يتم عن طريق إحلال مادة السليكا وبعض المعادن الأخرى مثل الحديد والمنجنيز والكبريت محل المادة الخشبية للأشجار بحيث يتحول الخشب الى حجر مع إحتفاظه بكل تفاصيله التركيبية من أنسجة وخلايا نباتية هذا ويظهر فى الجزء الغربى من المحمية قطاع إستراتيجى يكون تتابعا من طبقات الرمال والحجر الرملى الغنى بالحفريات المختلفة والتي يعلوها طبقات من الطفلة والطين المارلى ثم يعلو هذه الطبقات طبقة من الحجر الجيرى الرملى الغنى بالحفريات المتعددة الأنواع ويتصف هذا التكوين بألوان عديدة رائعة المنظر مما يمثل عنصر جذب للزائرين .
نبات النرجس الأبيض
افعي الطريشة
وبمحمية الغابة المتحجرة توجد العديد من البيئات تتمثل في بيئة نباتية وبرية حيث تنمو داخلها زهور النرجس الأبيض أو الطيطان أو نرجس الجبل وهو من الزهور النادرة المنتشرة في المحمية ولا يوجد له مثيل فى معظم أنحاء الصحراء الشرقية عدا منطقة وادى الجمال جنوبي مرسي علم بإقليم البحر الأحمر في جنوب شرق مصر لأنه يحتاج لبيئة خاصة لنموه نجدها متوافرة بهاتين المنطقتين فقط حيث ينمو غالبا على طول مخرات السيول وهو نبات من العائلة النرجسية وله أبصال وأزهاره بيضاء تتميز بأنها رائعة الجمال وتكاد أن تكون لها جمال وأهمية وسعر زهور الأوركيد وتقوم دول مجاورة بإكثاره وبيعه فى صورة شتلات يصل متوسط سعر الشتلة منها بمتوسط طول 5 سنتيمتر إلى 100 يورو بما يساوى حوالي 2000 جنيه مصرى للنبتة الواحدة في وقتنا الحاضر هذا وقد تم عقد 3 ورش عمل لإستعادة الطبيعة وملاحظة وحماية نمو وإكثار هذا النبات الهام الذى تستخدم بعض المواد القلوية التي تستخرج منه مثل البنكراسين فى علاج الأورام السرطانية وصناعة العديد من العلاجات الحديثة إلي جانب أن زيت هذا النبات مقوى للأعصاب وخافض للحرارة ومضاد للإكتئاب وله العديد من الإستخدامات الطبية الهامة الأخرى .
أسنان القروش بمحمية الغابة المتحجرة
بقايا عظمية لكائنات عاشت بمحمية الغابة المتحجرة منذ ملايين السنين
ومن حيث البيئة البرية بالمحمية نجد أنه يعيش داخلها أكثر الزواحف المصرية خطورة وهي أفعي أو حية الطريشة أو دفان السويس وهي من أكثر الزواحف تواجدا بمحمية الغابة المتحجرة وتعود خطورتها بسبب سمها القاتل وتعتبر محمية الغابة المتحجرة أحد أكبر أماكن تواجدها في مصر ويروى أن هذه الحية تقتل بعد 10 دقائق من لدغتها ولا مصل لها ولا علاج لسمها سوى بتر الجزء الملدوغ شريطة أن يكون ذلك قبل مرور العشر دقائق المذكورة كما تم العثور على حفرية سن سمكة قرش ربما تعود لملايين السنين بالمحمية يوم 15 أبريل عام 2015م والقروش تعد من أقدم ألحيوانات التى تواجدت علي الأرض منذ ملايين السنين حيث أن أقدم حفرية لسن سمك القرش يعود تاريخها لأكثر من 400 مليون سنة ومن الغريب أن علماء الجيولوجيا يقولون بأن الأماكن التى يعثر فيها على مثل هذه الحفرية تعد من أماكن تجول القرش حيث أنه من المعروف أنه يفقد العديد من الأسنان أثناء حياته فى مراحل نموه وعليه فقد كانت محمية الغابة المتحجرة قاعا لبحر عاشت فيه القروش في الأزمنة السحيقة ثم إنحسرت المياه عنها بعد ذلك وبقيت هذه الحفريات التي تدلنا علي ذلك كما تم أيضا العثور علي العديد من الحفريات لكائنات بحرية وحيوانية مختلفة بالمحمية وبعض من هذه الحفريات لم يتم التعرف علي هويتها وربما كانت لكائنات إنقرضت وإندثرت منذ أزمنة سحيقة البعد ومنها مثلا حفرية لعظام متحجرة إكتشفت عام 2012م كما توجد بالمحمية بعض تكوينات الأيوسين الأعلى وتحتوي على بعض الحفريات اللافقارية وعمرها يرجع إلى 60 مليون سنة ويبلغ سمك طبقات الأوليجوسين والتي تعلو الأيوسين حوالي 70 مترا وتتكون من الحصى والرمال وبعض أجزاء من الخشب المتحجر ومن الملاحظ أن المحمية تضم أكثر من نوع من تلك الأشجار المتحجرة .